من لا يحب زيارة فلسطين التي تسكن ضميرنا ووعينا


أحمد الجلالي 


كل شيء بدأ بسيطا.قررت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن أكون ضمن وفد رسمي يشارك في مؤتمر الصحافيين العرب برام الله “دورة القدس”.ليس من عادتي أن أتسابق على الزيارات ولا المنصات ولا الجلوس في الصفوف الأمامية، لكن بكل صدق أحببت أن استثمر هذه الفرصة في زيارة بلد ظل لعقود جزءا من ضميري وتكويني السياسي والقومي والديني والأدبي: إنها فلسطين ومن ذا الذي لا يحب أن يرى هذا البلد الذي يسكننا رغم أننا لا نقطنه؟؟
بقيت أنتظر تحديد الموعد، وقد قيل لنا عبر قنوات النقابة إن موعد المؤتمر سكون في شهر يونيو حزيران، على الأرجح في النصف الثاني منه.وكذلك كان، بحث نظم المؤتمر من العشرين إلى الخامس والعشرين من الشهر المشار إليه.
في السابع عشر من يونيو بلغت عبر بريدي الالكتروني بالتاريخ الرسمي للحدث وأن علي الحصول على تأشيرة لدخول الأردن أولا.ه فرصة إذن ك أرى الأردن أيضا، هذا البلد الذي لا يربطني به الكثير على الجانب الشخصي، لكني أذكر أن طالبين من الأردن من أصول فلسطينية كان زميلين لي في الإقامة الجامعية قبل أكثر من عشرين سنة: فيصل ومنذر..كما أتذكر طفولتي الأولى لما اشترى والد رحمه الله جهاز تلفزيون، وحين كنت أشاهد صور الملك الراحل الحسين بن طلال وهو يصافح المرحوم الحسن الثاني، كنت أعتقد جازما أن الرجلين توأمين، لأنه في اعتقادي “الحسن والحسين” لا يمكن أن يكونا غير توأمين.هكذا بكل براءة. ثم ماذا آخر يربطني بالأردن؟ نعم تذكرت منذ سنتين اكتشفت عبر الإنترنت مذيعا أردنيا  أنتج برامج حاور فيها نفس الشخصيات التي كنت أصبو للقائها، وطرح عليهم كثيرا من الأسئلة التي كانت في بالي. الإعلامي المقصود هو “عامر صمادي” وأهم من حاور كانا عبد الرحمان منيف وحنا مينا.
بما أن في الأمر زيارة عبور للأردن أيضا فأسعى للقاء هذا الإعلامي والتحدث إليه.هكذا واعدت نفسي. في اليوم الموالي كان علي الذهاب إلى الرباط للحصول على تأشيرة من السفارة الأردنية.
سفارة الأردن غيرت مقرها من منطقة  فندق “هيلتون” بالرباط إلى طريق زعير.من حسن حظي أن سائق سيارة الأجرة كان لديه خبر، فتوجه رأسا إلى العنوان الصحيح.وصلت حوالي الواحدة والنصف، لكني في الحقيقة كنت متأخرا جدا عن دوام العمل.ما العمل؟ هل سأضيع فرصة زيارة فلسطين؟ توكلت على الله وطرقت الباب.
خرج إلي شاب لطيف، وبعد السلام فتح الباب وأخبرني أن الوقت قد فات لكن “لا بأس”.وماهي إلا دقائق حتى كانت التأشيرة على جوازي. شكرت للإخوة صنيعهم، وقلت في نفسي “هذه هي الأخوة العربية، لن أنسى لكم هذا الجميل”.

عدت فرحا إلى مقر النقابة، وبعد دردشة مع زميلتين حول هموم مهنية ونقابية، مازحتهما أني ذاهب إلى فلسطين وأن “الباروك” الذي سأحمل إليهما سيكون خراطيش مستعملة للرصاص “من مفعولها إبطال العين واستنهاض الهمم النضالية”. توصلت بألف درهم من صندوق النقابة كتعويض عن السفر ومضيت.عدت إلى القنيطرة، وفي المساء لملمت أغراضي ووثائقي وتأكدت أني لم أنس شيئا مرارا.كان موعد إقلاع الطائرة من مطار محمد الخامس بالبيضاء إلى عمان، عبر مطار قرطاج بتونس، التاسعة والنصف صباحا.قلت للنوم تفضل فقال لا. فقلت لهذا النوم المتمنع “لأعذبنك في السفر حتى تأتي صاغرا يا ابن الكلب”. حملت حقيبتي الخضراء “المناضلة” وذهبت لمحطة القطار.
كان في انتظاري ووداعي الأخ الزميل محمد سليكي قبيل الساعة الثانية صبحا. سلم علي ودعا لي ودس في جيبي خمسين يوروها.كان معي بعض الزاد لكنه ارتأى أن يدعم زيارتي إلى فلسطين بماله الخاص.سلوك لم أستغربه من أخ وزميل، سليل قبيلة “اولاد امليك” الكرماء.

www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد