“يوميات كورونا”..الحلقة 2…دولة تبحث عن شعب يستحقها

أحمد الجـــلالي

مشاهد أسوقها لكم من واقع اليوم الثاني لحصار كورونا الذي أنجب لنا حجرا صحيا وصدمة سببها وقوفنا عراة أمام مرآة أنفسنا وثقافتنا وحقيقة مجتمعنا.

بالزقاق نسوة كالحات الوجوه، حائرات ترقبن اللاشيء. بائع الحليب على متن دراجته يشغل مزمار الموتور ثم يختفي قبل أن يأتي الزبناء.

الأطفال اختفوا فجأة وخمدت أصواتهم كأنهم سافروا إلى كوكب آخر، هم من كان من عاشر المستحيلات أن يستجيبوا لمريض يشكوا شغبهم وقت قيلولة.

في الشارع الرئيسي جماعات من الشبان يقفون مشتبكين وكأن لا كورونا في هذه الكرة الأرضية.

في باب كل دكان مواطنون جنبا إلى جنب لا مسافات أمان ولا أقنعة واقية ولا أي احتراز أو مظهر يقول لك إننا بزمن اسمه “كورونا تايم”.

يوسف مقدم الحي، شاب حيوي خدوم، يطوف بختمه لتسليم شهادات التنقل الاستثنائية، ومع كل خطوة يقدم النصائح، وحتى عندما يختم لك الورقة تلاحظ تفاديه لمسها. هذا العون وأمثاله سيتعبون كثيرا في هذه الأيام.

لا شيء نلتصق به أكثر هذه الأيام أكثر من الحاسوب، فهو لحسن الحظ لا يتنفس ولا يصدر رذاذا. فقط اشحنه وعقم ملمسه مثل يديك وتوكل.

أتابع المغرب عبر الأخبار والأشرطة المنتشرة من الشمال إلى الجنوب ومنه إلى الوسط ثم جهة الغرب وصولا إلى جرف الملحة وخبر التحقيق مع رئيس مفوضية الأمن بعد تداول فيديو لتعنيف شاب يبدو أن “عنتت” ولم يغادر في وقت كانت تدعو السلطات السكان إلى الالتحاق ببيوتهم.

ليس لدي تعاطف مع العنف من أي كان، لكني أتفهم أي ضغط يوجد تحته عناصر الأمن والأعوان والقياد وكل من هم في الجبهة الأمامية لمواجهة العدو الخفي.

بفاس كما بمدن أخرى ودع عنك البوادي والقرى التي هي الغالبية الساحقة للمغرب، تفاعل سلبي مع ما يمر منه المغرب واستهتار فاضح بتعليمات السلطات العمومية والطبية.

كل هذا فقط لأنهم يطلبون منهم أن يحافظوا على حياتهم وحياة الآخرين. ماذا وقع للشعب المغربي إلى أن أصبح على هذا القدر من التخلف والاستهتار.

تخيلت نفسي رجل سلطة وكيف لي أن أتصرف مع هذه الشريحة التي توشك بتهورها أن تسهل وتسرع الكارثة في بلادي.

تذكرت أن ربي سبحانه كان دوما رحيما بي، وكم محطة في حياتي انزعت لأن أمرا كان في راحة كفي لكنه تبخر في آخر لحظة ولسبب لا يقبله العقل ولا منطق الأسباب.

أدركت لاحقا عبر تسلسل سنوات حياتي أن الذي وقع هو خير ما كان يمكن أن يحدث لي.

 من ذلك أني قبل أزيد من عقدين كنت على وشك الالتحاق بسلك ضباط الشرطة القضائية بعد اجتياز المباراة بنجاح وبلا تدخل من أي كان، لكني بدل البوليس وجدت نفسي طالبا في معهد عال.

وفي طريقي عودتي من القنصلية الأمريكية بالبيضاء بعد مقابلة للالتحاق بجامعة أوكلاهوما سيتي لدراسة الإعلام ألفيت نفسي مدعوا لمقابلة مهنية ومنها التحقت بيومية الصباح قبل أن تولد وكنت من مؤسسيها، بل أول من وقع عقد عمل من فريق تحريرها.

محظوظ أنا لأني لم أصبح رجل سلطة وإلا لو كنت اليوم مسؤولا لدبرت الأمر في نطاق مهامي بدمي وأعصابي وإذن لكان هذا الركام من التخلف الذي عليك أن تلامسه وتواجهه وتسمه وتلعقه يوميا قضى علي تماما.

هذه الأيام أبحث عن كل الأصوات التي ظلت تنبح بغل في كل مكان لتأليب الناس على الدولة/المحزن..لم أجد صوتا لأي ثعلب أو غراب في أي واد.

هذه الأيام أفتش عن المنظرين الذين يحملون كل شيء للجهات الرسمية دون إنصاف أو قول إن للشعب دورا في كل ما يحصل له من نتائج وإنه من يرسم جزءا كبيرا من صورة مصيره.

هذه الأيام أبحث عن الألسن التنظيرية الطويلة باسم الحداثة والديمقراطية والمجتمع المدني لتقول شيئا لتفعل شيئا.

هذه الأيام أتعقب الحزبيين والنقابيين و المناضلين والزعماء عسى ولعل أعثر على بصيص ضوء في نفق كورونا.

لم أجد أحدا منهم. كل ما أمامي وأمامكم هي مؤسسات الدولة بأمنها وسلطاتها ومصالحها الطبية وجيشها الذي لبى النداء.

لكم شتمتم الوقت والمغرب والبلاد والدولة….اليوم أخشى التعبير/ التقدير/ الاحتمال الذي أقترب منه: أن نكون دولة فقط تبحث عن شعب.

الشعب بمفهومي ليس ملايين البشر أو “غاشي في الطرقان ماشي” ..لا..إنه ببساطة مواطنون واعون منتجون مسؤولون.

WWW.ACHAWARI.COM

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد