afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

أحمد الجَـلالي..المياديـن..الرباط ..لا سمح الله

حكايتي مع عجائب وغرائب الادارة المغربية

أحمد الجـَـلالي
على مدار الساعة، خلال الأربعين يوما من الحرب الصهيونية على غزة، تغطي مئات القنوات الدولية ما يحدث عبر مراسليها ان وجدوا بعين المكان. وهذا من صميم عمل المحطات التلفزيونية. وفي العالم العربي، ألفنا ومنذ الحرب الامريكية على العراق ان تكون عيوننا على الجزيرة تحديدا نظرا لإمكاناتها وخطها المهني. غير أنكم ولا شك لاحظتم خلال حرب الإبادة الغاشمة الحالية على اهل غزة ان قناة أخرى أزاحت الجزيرة من الصدارة. هذه المحطة اسمها “الميادين”.
أكتب للمرة الأولى عن هذه القناة نظرا لما يحدث أمام اعيننا كمشاهدين عاديين يستهلكون الصور والاخبار، وباعتبارها جزءا من قصتي المهنية قبل حوالي 12 من انطلاقها من بيروت.
حدث كل شيء ذلك اليوم بسهولة ومرونة غير متوقعة. سمعت بقرب انطلاق مشروع اعلامي بلبنان وعلمت اسم من يقوده. لم اجد عناء في الحصول على الرقمي الشخصي لغسان بنجدو، أحد مؤسسي الجزيرة ونجموها من السف الأول.
انطلاقا من مقهى “مايوركا” ومن هاتف نوكيا خاصني بعثت له برسالة قصيرة قدمت نفسي له وطلبت منه بريده الالكتروني. أجابني غسان بسرعة اكثر مما توقعت وبأدب لا يخفى. توا، بعثت له بسيرتي المهنية وماهي سوى بضعة أيام حتى كنت في “مقابلة مهنية” عبر “سكايب”.
تولى اللقاء من الطرف الاخر ببيروت غسان بنجدو شخصيا رفقة مدير الاخبار سامي كليب. مرت حوالي ساعة من النقاش المفتوح. شعرت وكأني في لقاء اخوي مع أصدقاء بمقهى جميل وهادئ. سألوني ما أرادوا و أجبت وفق تصوري وقناعاتي.
كانت الأسئلة تتراوح بين المهني النظري والسياسي والثقافة العامة ذات الصلة. ومن النظري الى التطبيقي حين تقمص سامي كليب دور المذيع ووضعني في دور المراسل و سألني عن قضية رأي عام حينها بالمغرب. اندمجت في الدور وباسترسال حتى ابتسم “الأساتذة” وطلبا مني التوقف.
مرت المقابلة بسلام وكان لدي انطباع الا شيء يجعلني لا أقبل في هذه الوظيفة. وفعلا بعد قرابة أسبوع توصلت في منتصف الليل تماما برسالة من المدير العام للقناة تبارك لي النجاح وترحب بي ضمن اسرة الميادين مقترحا أجرا وبنود عقد محددة.
اطلعت بإمعان على الرسالة ولم يكن هناك شيء يجعلني افكر مرتين: أجر مغر وبالدولار وتعاقد يحلم به أي مهني في مستوى تجربتي وسني. قبلت العرض وارفقته بكلمة شكر والتزام مهني واخلاقي تجله مسؤول القناة.
الخطوة التالية كانت على عدة محاور:
ــ تحرير تصوراتي للعمل ومد التحرير المركزي بها.
ــ اقتراحاتي لما يمكن ان ينجز من ربورتاجات وتقارير تصلح للبث بعد انطلاق القناة على الهواء
ــ مشاركتي اليومية “تحت الهواء” عبر الهاتف لنشرات الاخبار التي كان الفريق يتمرن عليها وكأنه على الهواء كما ونوعا وتوقيتا.
ــ مد القناة بالاخبار حول المغرب أولا بأول وكأن شريط الانباء يراه المشاهدون على الشاشة.
هذه كلها كانت روتينا مهنيا دخل منذ سنوات حياتي اليومية ولم اشعر بثقله ولا بأعصاب مشدودة بسببه.
المحور التعيس في القصة والذي حسم كل شيء في النهاية كان قضية الحصول على ترخيص من وزارة الاتصال كمراسل معتمد لوسيلة إعلام اجنبية بالمغرب.
وبحكم معرفتي بسراديب وزارة الاتصال منذ أنجزت بها بحثا جامعيا لنيل الاجازة في الاتصال حول “تدبير المعلومة بوزارة الاتصال” فقد توجهت رأسا الى القسم المعني بهذه المعاملة.
في بلادنا السعيد وفي إدارتنا “الأسعد” عبر العالم هناك القانون المكتوب و القانون المسكوت عنه. تمة الجواب وأخ الجواب وابن عمة الجواب..وستجد أيضا الجواب الناطق والاجابة الساكتة والاجابة المتلعثمة والاجابة البكماء..وكل ما لا يخطر لك على بال يا بشر.
وضعت كل أوراق ملفي كاملة مكمولة كلها غير ناقصة واحدة فوق الأخرى كأي تلميذ مجتهد حريص على النجاح بتفوق ثم مضيت إلى حال سبيلي.
كانت القناة تتهيأ للانطلاق والوقت يزاحمنا جميعا وبين الفينة والأخرى كنت أراجع الوزارة على عهد مصطفى الخلفي. وفي كل مرة لا أحصل على جواب ويقال لي إن الأمور قيد الدراسة فاصبر. وفي انتظار ذلك كنت محسوبا على القناة وأتلقى أجرى منتظما وأواصل إنتاج وتصوير لقاءات تم الاتفاق بشأنها مع “الميادين”.
لم يبق سوى أسبوعين على انطلاق “الميادين” وليس باليد ترخيص ولا في فم القوم أفق جواب.
أدخلوني متاهة عبثية أطوف خلالها بين ديوان الوزير ومديريات الوزارة: اتلقى الترحيب والمجاملات ولا أجد الجواب ولا الترخيص الصريح ولا الرفض الواضح ولا حتى موعدا محددا للبث والحسم.
في غياب مخاطب حقيقي هو من يقرر، دخلت في عملية ذهنية للاستنتاج والافتراض واضطررت لإلصاق كلام هذا مع تلميح ذاك عساي اركب ملامح صورة جواب.
وحين شرعت في تصوير بعض المواد عبر شركة انتاج كنت افعل ذلك تحت جناح “الإنتاج” وليس باعتباري “مراسلا قانونيا”، وتم ابلاغي بوضوح انه يمكنني التصوير ولكن “متبانش”..ففهمت ان وجهي يحتاج الى رخصة من الدولة.
وفي انتظار “غودو” الرسميين تناسلت “الرسائل” حول أسباب المنع الصامت. وعندما ترجح عندي ان احتمالات الرفض اكبر من القبول وان موقف اللارفض واللاترخيص أقوى من جميع التوقعات وطنت نفسي على الأسوأ و قلت لذاتي: ليس فيها أسوأ مما حصل سابقا وليكن ما يكون فلن تقع السماء من عليائها.
انطلقت القناة وكنت المراسل الوحيد لشبكة الميادين الموجود في وضعية غامضة: غير ممنوع وغير مرخص له بالعمل في مغرب كان قد ربح مسافات ضوئية في الانفتاح والتعدد مقارنة ببلدان عربية وافريقية.
طرقت الأبواب الممكنة وجاءني رجع الصدى فارغا صامتا مضربا عن الكلام وشعرت في نبرة كل من تحدثت اليهم بالعجز عن اتخاذ القرار او الجهل بمن يتخذ القرار أصلا في هكذا موضوع.
وفي لحظة من اللحظات لم اعد اطلب ترخيصا بل فقط جوابا كيفما كان شكله…غير ان الوضع العام التزم شعار “ما قتلوني ما حياوني”. وفي احدى زياراتي للوزارة اضطررت الا اتحدث في الموضوع رفعا للحرج عن موظفين محترمين ليس الامر بيدهم.
وكبعض “العزاء” قيل لى ان الموضوع تدخل فيه “أطراف” وان القضية فيها شقان: احمد الجلالي الذي نعرفه والجهة المشغلة. ولأني بطبيعتي لا اتقن لعبة الأطراف فلم انشغل بها وفهمت الرسالة جيدا.
حررت رسالة للوزير كمخاطب متاح وسحبت طلب اعتمادي حتى دون الرجوع لإدارة الميادين. قلت في رسالتي مخاطبا الحكومة إنكم راحلون عن الكراسي و أنا والصحافة باقيان.
وفعلا رحلت حكومة وأخرى بعدها وهاهي ثالثة تسير في طريق النهاية بينما بقيت المهنة وبقي هذا الجلالي وبدل “الميادين” يكتب لكم أسبوعيا هذه الزاوية المسماة “رصي راسك” في “الشوارع”. وبالمناسبة فاسم الشوارع ليس تعويضا عن الميادين ولا مرادفا لها بل كان في ذهني وحجزه في ملكيتي قبل انطلاق الميادين بعشر سنوات.
ولان رسالة سحبي طلب الترخيص تسربت للاعلام فقد لاحظت تعليقات تحت ذلك الخبر سارت كلها تقريبا على نغمة واحدة اعطوني فيها الجواب “بالتقسيط” وبشكل غير رسمي. اتفق “المعلقون” على أن القناة “شيعية مجوسية” وأن الدولة فعلت خيرا حين منعتها.
وقد استغربت من فكرة الطائفية هذه التي لم المسها في تعامل ولا خطاب مسؤولي القناة، وتساءلت هل سوف يتهمونني بالتشيع أيضا؟ وعموما فإني ولدت سنيا وكان التشدد للمذهب آخر ما يمكن أن يفور في دمي وقرأت أهم كتب الشيعة ولم أشعر يوما أن بي ميلا للتشيع. يقيني أن ربي يوم لقائه لن يسألني عن مذهبي بل عن عملي. اعتبر نفسي فلسفيا مسلما يحاول قدر الإمكان ان يصير انسانا حقيقيا يعمل عملا يرضاه خالقه.
انتهت قصتي مع “الميادين” لكن بقيت في الذهن تساؤلات أهمها: من رفض؟ ولماذا رفض؟
كان علي انتظار ازيد من عقد لأجد بقية الجواب على لسان الزميل المقتدر غسان بنجدو من مقر قناة الميادين خلال ندوة عقدها اليوم بمقر القناة وكشف فيها خلفيات الهجوم الإسرائيلي على “الميادين”.
يهمني في كلام بنجدو ذي الصلة بالشق الشخصي في هذه الحكاية ما كشفه حينما كانت القناة بعد رضيعا بالكاد يحبو عن اجتماع عربي خليجي وضع ضمن بنوده الرئيسية إسكات “الميادين” وذلك في العام 2013.
شكرا غسان. خلاص لقد ظهر المعنى ولا فائدة بقيت من أي تكرار او استنتاج من طرفي.
لا اشعر بأي ندم على كل مغامراتي المهنية، ولا حقد في القلب على أي كان فنحن جميعا للقبر ماضون ولكل جزاء وفاق. لكني يؤسفني حقا أني منعت بأسلوب ركيك من أن أكون ضمن قصة نجاح قناة اسمها “الميادين” أوجع خطها كيان الاحتلال وقرر التضييق عليها بعينها من بين كل الطيف الإعلامي على ارض فلسطين المحتلة.
فرصة انتهزها للتضامن مع “الميادين” ولأحيي جميل ورقي تعاملها معي مهنيا واداريا خلال تلك التجربة القصيرة في الزمن…الممتدة في المعنى و الوجدان.وأشهد للتاريخ، أني لم ألمس لديكم في تلك التجرية وجود رائحة أجندة مبيتة ضد بلدي المغرب. ولو حصل ــ لا سمح الله ـ لم أكن أنا الشخص الذي سيسايركم فيها ولو بمال كل القارونات.

banner cdm

طبتم وسلمتم في الميدان.

#رصي_ راسك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

banner cdm
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد