أحمد الجَــــلالي
بعد سويعات من يومه الثلاثاء الفارق في تاريخ كرة القدم المغربية سندع كل شيء تقريبا نحن المغاربة ونتسمر أمام الشاشات كي نشجع منتخبنا الوطني لكرة القدم ضد الفريق الإسباني.
هذا النزال يستحيل أن يكون عاديا، ليس لأنه في أدوار متقدمة بكاس عالمية ولكن لأنه ضد إسبانيا بالتحديد.
لماذا؟
ببساطة لأن أي مواجهة رياضية أو ثقافية أو إعلامية أو سياسية ضد الجار الشمالي نخوضها بحمولتها التاريخية التي تمزج بين الأحاسيس المكنونة تحت الصدر وعميقا في القلوب تجاه بلد أروبي سبق أن احتلنا وقصف أهلنا بالكيماوي ومازالت قطع من وطننا ترزح تحت نير احتلاله البغيض.
ولهذا وغير يجب أن ننتصر على الإسبان بأي ثمن وبكل الكيفيات والطاقات القتالية المتاحة وتلك المستدعاة من أعماق خزانات أبنائنا. ولهذا وغيره كثير يجب أن ننتصر على إسبانيا، ليس فقط لأن الربح سيقودنا إلى ربع النهائي وما بعده وإنما لأننا كشعب ووطن نحتاج تذوق طعم الانتصارات كيفما كانت لتعود الروح والثقة في الذات الفردية والجماعية إلى سابق عهودها.
وكما أصبح واضحا للجميع فالكرة، سيما في المنافسات القارية والعالمية، لم تعد محض لعب بل هي الجد كل الجد بطرق ناعمة وبأساليب لا بارود فيها ولا دماء.
ومن يزعم ألا علاقة بين الرياضة والسياسة فهو قطعا لا يعي شيئا في الرياضة ولا يفهم قيد أنملة في السياسة. ومثله من يفرق بين الدين والسياسة سواء في الشرق أو الغرب، لأن الأمر يكون من تلك الاستحالة التي تقف أمامنا إن حاولنا فصل وجهي الورقة الواحدة.
ولقد لاحظنا كيف نزل المغرب الرسمي والشعبي بثقليهما خلال لقاء الأسود بمنتخب كندا. إنها الكيفية ذاتها التي تحتاجها الأمة المغربية لكسب المعارك الآنية والمستقبلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وثقافيا.
ولو وقفت كل مكونات المغرب من مواطنين إلى أعلى المسؤولين كتفا لكتف ضد كل أسباب تخلفنا وتعاستنا لدحرنا الفساد والأمراض ومشاعر السخط ومظاهر الكفر الانفعالي و الاضطراري بالوطن في فترة وجيزة.
نمارس عبر الصحافة أخطر وأطهر الأدوار، ونخدم أشرف وأحقر القضايا ونسند أنبل وأخبث الأجندات..كل حسب عقيدته وتربيته وميوله. وإن كنا نكتب اليوم كأي محرر رياضي فإننا في الحقيقة نتخذ الرياضة مطية لتمرير وشرح الأهم والأخطر.
ومثلنا تماما مهنيا/آليا، لا عقيدة، انبرى الإعلام الإسباني عشية اللقاء الحاسم لينتقص من قدر فريقنا ونعتنا كمنتخب بفريق “الأمم المتحدة”، على اعتبار أن أعضاء فريقنا مجنسون.
ولنريح “الزملاء” بالضفة الأخرى نقول لهم إننا فعلا “أمم متحدة” بمعناها الذي يزعجهم ويخيفهم: ألا ترون أننا كشعب أشكال وألوان وألسن وأعراق مختلفة لكننا “متحدون” دوما حول القضايا المصيرية..وهذا ما يرعبكم أبا عن جد.
فالأمازيغي والعربي والأسمر الأفريقي وذو الأصول الأندلسية والمسلم واليهودي ــ وليس الصهيوني ــ أبناء أسرة واحدة تحت سقف الخيمة المغربية عينها..وهذا ما يثير حنقكم.
اليوم، وأثناء النزال، سيجلس ملايين المغاربة تحت خيام متفرقة عبر القارات لكن أطنابها مضروبة في عمق التراب المغربي هنا..والآن. هي الطاقة الرهيبة التي سيرسلها كل مواطن إلى دوحة العرب التي شرفت الآمة العربية والإسلامية وخدمت بذكاء حينا وبتوفيق إلهي مرات أخرى قضايانا الكبيرة.
كمتابع قديم لكرة القدم الوطنية، سيما في شق المنتخب القومي، أجزم أن هذا المنتخب ومدربه ــ حماهم ربي من شر حاسد وحسد ــ مختلفون في كل شيء. ولعل ما أثارني فيهم تحديدا هو التوفر على ميزة يسمونها التوفر على “عريزة القاتل”.
ما معنى ذلك؟
الأمر هنا لا صلة له بالإجرام ولكن بمعنى القدرة على إتمام المهمة والإجهاز على الخصم بالضربة القاضية. وفي ذهن كل منا تلك المرات المريرة التي كنا في الثواني الأخيرة من لقاءات حاسمة وتلقينا الهدف القاتل أو في الأنفاس الأخيرة ولم نحافظ على تماسكنا فيضيع الجهد.
وفي ذاكرة كل كما مشاهد لفرق أخرى وصلت للنهاية ولكنها تراخت أو اكتفت بلعب اللقاء النهائي ورأت ــ لا شعوريا ــ أن هذا يكفي…واستسلمت. ولو توفرت لديها “غريزة القاتل” لانقضت على الكؤوس والبطولات وقيمتها المالية والمعنوية.
هؤلاء الشباب، ربما بسبب ظروف المنشأ، يختلفون في هذه القضية وتفاصيل أخرى، عمن سبقوهم من منتخباتنا. وعليه، فهم لا يبدون هيبة أمام فريق ولا يترددون في اقتحام عقبات الخصم مهما كان قدره “على الورق”.
أنتظر مع ملايين الشعب المغربي أن نشاهد فريقا من أسود حقيقية تلتهم “ثورا” من ورق…على أرض الملعب.
إن شاء الله…………..أنتم الأبطال…هيا……..ثبت الله أقدامكم وربط على قلوبكم. آمين.