من أخبث وألعن الأحداث التي تعرض لها المسلمون، وضمنهم العرب، الفتنة الطائفية الكبرى التي شطرتهم إلى شيعة وسنة. وقد نتجت عنها مذابح وانحطاط والدوس على الدين باسم الدين وامتلاك الحقيقة.
والغريب أن هذه الوصفة الشيطانية قابلة للاستخدام الفعال كلما كانت لها حاجة من قبل أعداء الداخل والخارج.
واليوم، وفي عز المحرقة بغزة ولبنان، هناك آلة رهيبة تشتغل على التفرقة والبلبلة باسم المعادلة القديمة المتجددة باسم: شيعة ضد سنة، وهات يا تهييج وهات يا تكفير.
لكن كان هناك من انتبه إلى هذه الآفة وهو ليس من علماء الدين ولا من السياسة. كان كيانا حقيقيا مركبا من شاعر اسمه أحمد فؤاد نجم نظم قصيدة سماها “التضليل” وغناها العبقري الكفيف الشيخ إمام عيسى قبل نصف قرن. ما أشبه يومنا بالأمس البعيد.
هذا نص القصيدة كما نظمها الشاعر وخطها:
“دا شيعه
واحنا سنه
دا فين ومصر فين !
عايزين يدخلونا
نظام ودنك منين
وناس تقول شيوعي
وعامل نفسه شيعي
عشان خايفين طبيعي
ليبقوا ثورتين
يا أسيادنا اللصوص
قرينا ف النصوص
لو الإنسان يلوص
يغوروا الفرقتين
وشفنا ف الكتاب
ولقينا الدين حساب
وثورة وانتساب
وعين تساوي عين
وسرقتوا الثورة منا
وقلتوا الصبر منّه
وعقب الصبر جنّه
وباب بمفتاحين
ودان المَلُك ليكو
وزاد الفجر بيكو
وعملتوا اسلامين
وكفرتوا الامام
وطفشتوا الحمام
وخلاصة الكلام..
يزيد ولاّ الحسين ؟؟”
تعليق:
تعد العامية المصرية بفضل مبدعي بلاد الكنانة من عجائب مصر إضافة إلى أهراماتها. فهذه العامية بسبب الاشتغال الفني عليها والترويج لها عبر الغناء والسينما تحولت إلى لغة حقيقية يفهمها جل العرب من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا.
وطالما دافع عنها أحمد فؤاد نجم بوصفها لغة متكاملة. وكيف لا يتكون لغة وهي التي اكتسحت الشارع العربي كله لعقود متتالية؟
وقد كان الشاعر الراحل قادرا على كتابة القصيدة العربية التقليدية غير أنه آثر الالتصاق بالعامية المصرية التي طوعها كما ينبغي وأكثر وبفضلها شاعت قصائده وخلدت إلى يومنا هذا.
ومن المفارقات أن العرب في كل البلدان يجدون الابداع بالفصحى أسهل بكثير من لغة اليومي التي يتداولونها منذ الولادة، بمعنى اللغة الأم.
ليس صعبا أن يولد كاتب بالفصحى يكسب آلاف الأشخاص كجمهور، ولكن الاستثنائي أن يولد شاعر بالعامية يستطيع أن يخاطب الملايين. تلك هي القضية في زمن التضليل المتجدد.
