خذوا نصف عمري من أجل ليلة كهذه بين الأحبة في رام الله

أحمد الجلالي

 

 بعد نصف ساعة نزلنا إلى مطعم الفندق للعشاء ثم تناول الشاي أو القهوة.عند النزول من المصعد كنا نمر عبر القاعة الرئيسية للمؤتمر وهي مزينة بكل الشعارات واللافتات الترحيبية، وصور رموز الصحافة الفلسطينية مثل الشهيدين ناجي العلي وغسان كنفاني اللذين اغتالتهم أيادي الغدر الصهيوني وهما في قمة العطاء المهني والفني.قتل الرجلان وبقيت الأعمال شاهدة: حنظله و “ما تبقى لكم” و “عائد إلى حيفا”.

الخلود للفكرة والإبداع، وما تبقى إلى صدأ فزوال ثم نسيان.

أحببت المقهى الفسيح وخدماته العصرية، كما أحببت تفاني الشباب العاملين في السهر على راحتنا.كانت فرصة للتعرف على كثير من الصحافيين الفلسطينيين القاطنين برام الله أو من أتوا لحضور المؤتمر من مدن ومخيمات أخرى. حاولت التعرف إلى أكبر عدد ممكن منهم عبر مجالستهم والاستماع إليهم.

كانت السياسة والصحافة والثقافة حاضرين في كل جلسة.تحدثنا عن “اختطاف” المستوطنين الثلاث الذي كان حديث الساعة وقتها، وقمنا بقراءات حول الأسباب إن وجدت، وعن الملابسات والتوقيت والأهداف.

كان في حديث كثير من الإخوة جميعا ارتياب في أن المستوطنين خطفوا فعلا، و غير قليل من التوجس من ضربة إسرائيلية قادمة. وكذلك كان، وها نحن نشهد فصولها الجنونية في شهر رمضان.

رام الله في غالبها “فتحاوية” الهوى، لكن بالنسبة لي كان من تحدثت إليهم أشقاء لي وكفى.فلسطين قضيتنا بصفتنا من فصيلة البشر أولا، وهي أيضا قضيتنا كعرب ومسلمين هذا شعور لا أنكره، لكني على يقين أن أهل القضية من الدرجة الأولى هم من يوجدون على الأرض. لم أشأ أن أجادل في أي من وجهات النظر.الذي أثارني أن الفلسطينيين ـ رغم قسوة الظروف وهم القضية الثقيل ـ ليسوا انكفائيين، بل لديهم وعي سياسي وقدرة على تتبع الأوضاع الداخلية لكثير من البلدان العربية ومنها المغرب.

منهم من واكب حتى التعديل الحكومي عندنا، ومنهم من قدم لي رأيه في “الاستثناء المغربي” وقراءته للربيع العربي الذي كانت حرائقه على أبوابنا، ومنهم من سألني عن بنكيران مبديا ملاحظات شتى حول شخصيته وبرنامج حزبه.ولعل النقطة التي أثارت إعجاب الأشقاء هو التقاء إسلاميي المغرب وشيوعييه ويمينييه في حكومة واحدة وعلى برنامج حكومي واحد.

قلت للأصدقاء مثلنا المغربي المأثور وذي الحدين “إن كنت بالمغرب فلا تستغرب”.

انتقلت إلى الجناح الثاني من المقهى فوجدت الزميل عبد الله البقالي يشرب قهوته وبين يديه أوراق، وحوله زملاء من فلسطين وتونس والأردن.كانوا يناقشون فقرات المؤتمر وبرنامج اليوم الموالي ومشروع البيان الختامي.

صعدت إلى الشقة فوجدتها نظيفة عصرية.كانت غرفتي تطل على الشارع، وهي فرصة لتنفس هواء فلسطين والتطلع إلى نجوم ليلها.سرقني السهر إلى الفجر، وفي تلك اللحظة استمتعت بالأذان على الطريقة الفلسطينية.

يأتي صوت واحد ـ وليس خليطا من الأصوات المتنافرة كما عندنا ـ صوت واحد رخيم وقوي وصاحبه يملك نفسا طويلا جدا.يسري الأذان بين مرتفعات وأودية رام الله فيأتي رجع الصدى كما لو كان نازلا من السماء.

سأكتشف بعد يومين أن مستوطنات كثيرة تحيط برام الله.قدرت معنى أن يكون المحتلون مضطرين لسماع صوت أذان الفجر يوميا. لا شك سيشعرون أن لهذه الأرض أصحابها مهما طال ظلام الاحتلال.وأن صوت “الله أكبر” يقينا يفزعهم كلما سمعوه.

نلتقي الخميس المقبل في الحلقة 8 من “فلسطين المحتلة..كنت هناك”

www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد