أحمد الجلالي
لما خرجنا من المعبر كان الوقت ليلا، والجو مضغوطا إلى درجة الاختناق.
التراب هنا يئن تحت قساوة الطقس وظروف الاحتلال. كل من خرجوا من المعبر المشؤوم كانوا مرهقين.
البعض يستقل سيارات وآخرون يركبون حافلات وهم في عجلة من أمرهم.تفقدنا بعضنا بإحساس مزدوج:شعور بالخلاص ودخول فلسطين ومرارة من جراء ما عانينا.كان عزاؤنا أننا أخيرا صرنا داخل تراب فلسطين وهي الخطوة الأولى في اتجاه إنجاح المؤتمر العام للصحافيين العرب “دورة القدس”.
كانت الحافلة وسيارات خاصة تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية تنتظرنا بشوق لا يخفى.امتطينا السيارات وقلنا حي على الفلاح.بعد حوالي ربع ساعة توقفنا في باحة استراحة.وجدنا القهوة العربية والوجوه الطيبة والترحاب الصادق في انتظارنا.إننا في أريحا يا سادة، وهي أقدم مدن الدنيا على الإطلاق، وهي أدنى الأرض..وهي جوهرة ثمينة في جغرافيا فلسطين السليبة.
في خارج الاستراحة كانت شاشة كبيرة وشباب يتابعون إحدى مباريات كأس العالم لهذا العام.يحاولون أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي رغم كل شيء.
العالم ينسى فلسطين، لكن أهلها يعيشون ضمن هذا العالم المصاب بكل أنواع النفاق والمكر والقسوة وباقي الأمراض المصالحية والسياسية والأخلاقية.
ما إن ولجنا قاعة فسيحة مكيفة، حتى تسابقنا مثل أطفال على التقاط صور مع العلم الفلسطيني بألوانه الزاهية القوية. كان العلم في الركن الأيمن من القاعة وقربة كرسيان وثيران وفي الحائط علقت صورتان للراحل ياسر عرفات وأخرى لأبي مازن.
بعض الزملاء التقطوا أكبر عدد من الصور مع الراية الفلسطينية، والزميلات بالغن في الأمر لكن في مثل هذا الظرف الموسوم بالأحاسيس القومية المفعمة يكون كل شيء مفهوما ومقبولا.
جاء دوري فالتقط لي الزميل عبد الله المختار من موريتانيا صورتين، الأولى مع العلم والثانية تحت صورتي أبي عمار وأبي مازن. من دون سابق تخطيط أديت السلام “العسكري”. بعض الأصدقاء وجدوا الموقف طريفا وفي عيون آخرين رأيت بعض الاستغراب. أحببت ردتي الفعل معا.
استرحنا في أريحا الرائعة بناسها وأرضها وهوائها ونباتها، ثم يممنا الوجوه إلى رام الله.هذه المدينة تخزنها ذاكرتي منذ المراهقة الأولى من خلال صور الانتفاضة الفلسطينية الأولى وما حفظت من أشعار وأغاني عن فلسطين.
كان الوقت ليلا والسائق يسير بسرعة من يريد أن يوصل الضيوف كي يرتاحوا بعد عناء يوم شاق.
بدت ملامح المدينة تظهر في ظلام دامس، وفجأة توقف السائق عند حاجز ثابت للاحتلال في مدخل رام الله. بعد دقيقة مررنا إلى رام الله، وبالتحديد نزلنا أمام فندق “أبراج الزهراء” الذي سيستضيفنا ويحتضن أشغال المؤتمر.
عند المدخل لافتة كبيرة كتب عليها ” تحت رعاية سيادة الرئيس محمود عباس:مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب لدعم فلسطين، دورة القدس”.
قلت في نفسي: أهلا بي في فلسطين عند شعبها ورئيسها.
عند مدخل الفندق نباتات أنيقة وممر نظيف. في الاستقبال شباب مرحبون ومهذبون.في وقت وجيز كان بيد كل واحد منا مفتاح شقته.كانت الشقة رقم 36 من نصيبي أنا والزميل أوسيموح لحسن.
كانت فرصة لمزيد من التعرف إلى هذا الأخ المغربي الذي تعمقت علاقتي به في فلسطين.زميلان مغربيان مخضرمان لم يتعارفا من ذي قبل في بلادهم، ولكن “انتظرا” فرصة اللقاء بفلسطين.أليست مفارقة؟.
الحق أني سعدت بتلك الأيام التي قضيناها معا.
إلى الخميس المقبل مع الحلقة 7 من “فلسطين المحتلة..كنت هناك”
www.achawari.com
