يونس التايب المحلل وكاتب الرأي يُسائل “جدوى الغياب والحضور”

 بقلم: يونس التايب

غالبية أصدقائي الذين يتابعون حضوري في هذه المنصة التواصلية، و يشرفونني باهتمامهم بمساهماتي في النقاشات العمومية الموضوعاتية، يتواصلون معي على الخاص ليسألوني عن “سر” بعض غياباتي لبضعة أيام…  و بعض أصدقائي يستنكرون عدم قراءة مساهماتي في نقاشات  تكون ضاغطة في الساحة أحيانا.

لهؤلاء الأصدقاء أجيب أنني منذ ثلاث سنوات، و هو عمر هذه الصفحة، حين يكون انفعال المتواصلين قويا و تكون حدة النقاشات مرتفعة، ألتزم بعدم ضم صوتي إلى ما هو مطروح في الساحة من أصوات كثيرة، و أمتنع عن إضافة “لايف” جديد إلى العدد الكبير من “اللايفات” المبثوتة، أو تسجيل موقف آخر يزاحم “المواقف” المتنوعة التي يداوم على إطلاقها غالبية من يحترفون “مهنة” التأثير الاجتماعي.

و اختيار تلك الطريق مرتبط بكوني متيقن أنه لا فائدة في الكلام عندما يتكلم الجميع في وقت واحد، حيث لا أحد ينصت لأحد، و كل يستمع فقط لما يقوله هو و يدافع عن رأيه هو، و قليل هم من يبحثون عن جعل النقاش العمومي مناسبة لديناميكية تواصلية تفرز رأيا موضوعيا و منطقيا (كي لا أقول محايدا!!) يمكن أن يجد فيه الجميع، أو الغالبية على الأقل، جزءا مما يعتقدونه صوابا.

من دون شك أن المفروض في الحوار و في النقاش العمومي، هو توالي الكلام و الاستماع، ثم الكلام و الاستماع، و الحجج و الحجج المضادة، مع التزام آداب التواصل و الأخلاق العامة، و احترام الحق في اختلاف وجهات النظر، دون تجريح أو طعن في الناس. لذلك، في غياب تلك الديناميكية، أفضل التزام الصمت و تخصيص الوقت للقراءة و متابعة ما يكتب هنا و هناك، و الاجتهاد لتحليل المعطيات التي تصلني و التأكد من صحتها، و بلورة رأي بشأنها، بعيدا عن ضغط اللحظة … ثم بعد حين، أعود لأكتب رأيي في مواضيع معينة، مع صادق السعي إلى اقتفاء ما أعتقد فيه موضوعية و التزاما بالمنطق، دون تبخيس آراء الناس مهما اختلفت معها.

لكن، أعترف لكم أنه، في كثير من الأحيان، تتراكم المواضيع و السجالات التي تجري في أيام الصمت الإرادي الذي أختاره، و أجد نفسي أمام سؤال محوري عند العودة لمحاولة الكتابة، هو : “من أين أبدأ ، و أي موضوع أتناوله أولا ؟”

فهل يا ترى علي أن أتوقف عن الصمت المرحلي و عن التأمل، و ألتزم بالتناول الفوري لكل موضوع “نزل”، قبل أن تتراكم المواضيع وتختلط؟

ألن أكون، حينها، بصدد الانتقال إلى مرحلة احتراف “مهنة التأثير الاجتماعي”، عبر التفاعل المستمر، و عبر “اللايفات” التي لا تتوقف لأخوض فيها في كل شيء و في كل موضوع، و أبثها من أي مكان أتواجد فيه، كما أرى البعض يفعلون مؤخرا (لايف من المقهى/ لايف من السيارة/ لايف من على فراش الصالون ، لايف من الحديقة أثناء ممارسة رياضة المشي ….!!!!) ؟ هل علي أن أخطو تلك الخطوة ؟

هل أصبح مطلوبا أن أتجاهل مسألة احتدام السجال في مواقع التواصل الاجتماعي، و عدم الاكتراث بجو النقاش عندما يكون مشحونا و غير ملائم للحوارات الهادئة المبنية على حسن الاستماع و قبول التعاطي مع وجهات النظر المختلفة ؟

هل صار المطلوب هو أن نتكلم فقط، “نهضرو و خلاص…!!!”، دون الحاجة إلى السعي للمساهمة في دينامية نقاش عمومي يتسم بالجدوى و النجاعة ؟

أليس الأفضل، لنا و لمجتمعنا، هو المساهمة في النقاش العمومي بغرض تسجيل أثر حقيقي يخاطب العقول و يستفز إيجابيا منظومة الأفكار، في أفق صياغة “عقل” مواطن لا تعبث مواقع التواصل الاجتماعي بكفاءاته المعرفية، و لا تؤثر في قدرته على إبقاء استقلالية رأيه، و لا تسيء إلى نضج تعاطيه مع الواقع كما هو، لا كما يبدو من خلال “واقع افتراضي” في عالم الأنترنت ؟

ما رأيكم ؟  

www.achawari.com

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد