بقلم: يونس التايب
مهم جدا أن نطور ما لدينا من تشريعات تمكن الناس من أن يتصرفوا في حياتهم بحرية مصانة، و يعيشوا كما يشاؤون، دون أن يقلق راحتهم أحد…. كما هو مهم أن لا تعتدي ممارسة تلك الحريات على حق المجتمع في السكينة و الأمن الروحي، و أن تمارس الحريات بشكل يحترم قيم المغاربة الحضارية و الدينية و حقوقهم الثقافية …
لكن، المهم أكثر، في هذا الظرف الدقيق و خارجه، هو صيانة حق الناس في مستوى معيشي يضمن لهم الكرامة والغذاء، و يضمن لهم الحق في التطبيب الجيد، و التعليم النافع، و الحماية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة …
لذلك، في رأيي، ما نتطلع إليه من نقاش مجتمعي عمومي، و ما يجب التركيز عليه، خاصة من جانب وزراء الحكومة، هو النقاش المرتبط بسبل تحقيق الأولويات الراهنية التالية :
✳ تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي ساهمنا في صياغته، و استبشرنا به خيرا لوقف الريع و اقتصاد المحاباة و تواطؤ الشركات ضد مصالح الزبناء لتحقيق أعلى الأرباح…
لا يوجد شيء يبرر أن نوقف الحماس الوطني الذي رافق ورش إعداد النموذج التنموي الجديد و ما قلناه بشأنه …. خاصة أنه شمل تشخيص المستجدات التي فرضتها الجائحة الوبائية و مستلزمات عالم ما بعد كورونا ….
✳ تتميم كل أركان ورش الحماية الاجتماعية … إلى حدود الساعة، الحقيقة هي أننا انطلقنا في ورش التغطية الصحية، فقط، و لازلنا لم ننته منه… و أمامنا باقي مكونات المنظومة الضرورية التي تحدثنا عنها قبل أن يجوز القول أننا في “دولة اجتماعية” … حتى نحافظ لهذه العبارة على سموها و رصانة معناها، عوض ترديدها (تسفيهها!!!) بالشكل الذي نسمعه و نراه …
✳ تأهيل المدرسة العمومية … بما يعنيه ذلك من وقف الهدر المدرسي و رفع الجودة و فعالية التعلمات Qualité des apprentissages … وحل الإشكالات المرتبطة بالشق الاجتماعي للتلاميذ …
في السنة الدراسية الماضية، مثلا، تم تسجيل حالات 300.000 طفل غادروا المدرسة… ماذا فعلنا من أجلهم ؟ أين هم ؟ ماذا حل بهم؟ ما هو المستقبل الذي ينتظرهم ؟ ….
ثم ماذا عن المشاكل التي يعاني منها أطر التدريس؟؟؟
و ماذا عن الإضرابات التي لا تتوقف تقريبا، و تخرق حقوق الأطفال في الاستفادة من عدد ساعات معينة من التعلم و التكوين، و تنتج لنا أطفالا يصلون إلى مستوى السادسة ابتدائي و هم لا يحسنون القراءة و الكتابة و الحساب …؟؟؟
✳ تأهيل المستشفيات … جميل أن نرى بعض التأهيل في البنايات، هنا و هناك، ذلك يستحق التنويه … لكن الحقيقة هي أننا لازلنا نحتاج إلى التأهيل في جانب التأطير … بل نحن بعيدون عن أهداف منظمة الصحة العالمية … هنالك نقص كبير في الأطر الطبية (أطباء و ممرضين)، و بعض التخصصات لازالت أقل من المطلوب بكثير في عدد من الجهات … نفس الشيء بالنسبة للتجهيزات التي لازالت تنقص أو فيها مشكل … نحن بعيدون عن هدف تجويد ظروف استقبال المرضى … هل أصبح الناس يأخذون مواعيد معقولة و قريبة للاستفادة من السكانير و الراديو مثلا؟؟؟؟ لا أظن ذلك… إذن مازال ما درنا والو …
✳ تصور جديد لنظام ضريبي يدعم الطبقة المتوسطة عن طريق تقليص نسبة الضريبة على الدخل و نسبة الضريبة على الأرباح بالنسبة للشركات الناشئة …
ما المانع من تقليص نسبة الأرباح بالنسبة للشركات التي يقل رقم معلامتها السنوي عن 500.000 او حتى مليون درهم ؟ … كم ستخسر ميزانية الدولة من عائدات ضريبية في مقابل استفادة الاقتصاد الوطني من خلق فرص عمل جديدة للشباب من طرف تلك الشركات الصغرى، التي ستتوسع و تنمو بسرعة و بعد ذلك تسدد ضرائب أكبر ؟؟…
لماذا لا يتم استثمار الآلية الضريبية لتقليل أثر التضخم في الأسعار عوض ما نراه من تراجع حاد في مستوى معيشة الأسر….؟..
✳ تنزيل قيم المنافسة الحقيقية و الشريفة لمنع الريع و الاحتكار و الغلاء في الأسعار و تواطؤ المنتجين على الزبناء المستهلكين ….
✳ سياسة اجتماعية جديدة تحدد الفئات الهشة و الفقيرة التي تحتاج إلى الدعم العمومي… من خلال تطوير عمل المؤسسات العمومية للرعاية الاجتماعية، و إخراج سجل اجتماعي دقيق لا ينسى أحدا من المستحقين الفعليين، و لا يدمج أحدا ممن لا يستحقون الإستفادة، كما رأينا ذلك في ورش الراميد الذي ضم عددا من الأشخاص أغنياء و ميسورين …
✳ دعم المقاولات الصغرى و مشاريع الشباب على أساس الكفاءة و الجدية و المساواة … والحصول على التمويلات بسهولة، و الاستفادة من حاضنات للمقاولات الناشئة….
هنالك جهود تبذل، لكنها لازالت أقل بكثير من المطلوب و غير موزعة بالشكل المتجانس المأمول بالنظر إلى الوضع الاقتصادي و ارتفاع البطالة في بعض الجهات و الأقاليم بشكل أكبر ….
✳ دعم القابلية للتشغيل و التكوينات التأهيلية الجديدة، في المدن و في القرى، لرفع قدة الشباب و الخريجين على التأقلم مع احتياجات سوق الشغل، وتحديث أنماط الوساطة و المواكبة بين الشباب و المقاولات …
✳ تحيين قوانين تحمي حقوق الإنسان الاقتصادية، و توقف الفساد و الريع و استغلال أموال عامة لمصالح أشخاص و فئات محدودة ….
✳ اتخاذ تدابير قانونية صارمة و تأطير اجتماعي لوقف العنف ضد النساء، و تشديد العقوبات في حالات الاعتداء على الأطفال و في جرائم الاغتصاب…
هذا، في رأيي، ما هو مطلوب من طرف المغاربة …
أما ترك كل هذه الأولويات و التركيز على حديث الحريات الفردية، و كأن أولى أولوياتنا هي معرفة “شكون خرج مع هذا أو مع هذه، و فين تلاقاو، و شنو داروا…”، فهو ترف فكري كبير و تضييع للجهد و الوقت، لن يحل المشاكل التي نعاني منها و لن يجلب أي شيء جديد يضاف إلى ما هو موجود أصلا في الواقع …. و #الله_أعلم
#المغرب_كبير_على_العابثين
#نديروا_النية_و_نخدموا_بلادنا
و … #سالات_الهضرة