على إثر المظاهرات العارمة التي نظمها الشعب المغربي تضامنا مع فلسطين وتنديدا بحرب الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الصهيوني ضد أطفال ونساء غزة، تألم مكون ضمن فسيفساء المجتمع الإسرائيلي من ردة فعل المغاربة وعبر عن هذا الألم بطريقة ابسط ما يمكن وصفها به انها وقحة.
فقد تجرأت جمعية ليهود إسرائيليين من أصل مغربي يرأسها شخص يدعى “شيمون اوحيون” على توجيه رسالة طويلة عريضة، وباللغة الفرنسية، الى الملك محمد السادس شخصيا.
الوقاحة ليست في مجرد فعل مراسلة الملك، فلكل مغربي الحق في مراسلة الديوان الملكي، بل الوقاحة في مضمون الرسالة التي تعبر عن امتعاض موقعها من مظاهرات المغاربة تضامنا مع فلسطين، هؤلاء المغاربة الذين يشغل عاهلهم منصب رئيس للجنة القدس.
وبكل الصلف الذي اكتسبه “شيمون” من بيئة دولة الاحتلال اعطى لنفسه الحق في مؤاخذة امير المؤمنين ولومه ضمنيا على “إدارة الظهر” لهم، متسائلا عما إذا كانت هذه هي المعاملة التي يستحقونها هم و “دولتهم”، مع ما في ذلك من تحريض مبطن للسلطة المغربية ضد شعبها.
يبدو من لغة صاحب الرسالة، ثقيلة الظل، انه أسقط من حسابه الموقف الراسخ للملك محمد السادس قبل التطبيع وخلاله وبعده حيال حقوق الشعب الفلسطيني، وبدل ذلك يتوهم هذا الشيمون ان المغرب صار خاتما بيد الصهاينة الى حد إملاء ما يحلو لهم عليه بما في ذلك منع تظاهرات ومسيرات شعبية هادرة، ولا يهمهم بعدها ان يؤدي ذلك الى تفجير غضي شعبي مبرر في اتجاهات بلادنا في غنى عنها.
ولكن شيمون هذا ومن لف لفه أو والاه قد يكونون معذورين في اوهامهم بسبب البعض من بني جلدتنا ممن هاموا عشقا وتمجيدا في الكيان خلال الأشهر الأخيرة وكأن هذا الكيان المهزوم صار الحاكم الفعلي للكرة الأرضية.
وبما أن مظاهرات المغرب خلفت كل هذا “الأسى والقنوط” لدى الرأي العام في دولة الاحتلال فهذا يثبت الحقائق التالية:
ــ أن الرسالة الشعبية، والتي لم تعترض عليها الدولة عبر السماح بالتظاهر بكل حرية، قد وصلت مؤلمة إلى تل أبيب.
ــ أن مقاومة الاحتلال ممكنة حتى ولو كانت الشعوب بعيدة عن الكيان بفلسطين المحتلة بآلاف الأميال.
ــ أن الرواية الصهيونية القائمة على سحر الدعاية والإعلام الغربي المجرم قد أسقطها الطوفان وفتح أعين العالم من لندن إلى واشنطن مرورا بباريس وباقي العواصم الكبرى على الرواية العنصرية الكاذبة عن كون المقاومة الفلسطينية إرهابية وأن “الشعب الإسرائيلي المتحضر الديمقراطي” مسالم لكنه مهدد من قبل وحوش في وجوده.
ومهما يكن فإن الأحداث الجارية وما سيتبعها على الصعيد الإقليمي والعالمي، وبرغم حجم المؤامرات والكيد، ستؤدي إلى حقائق مكشوفة على الأرض، من بينها:
ــ أن المشروع الصهيوني المتغطرس بدأ رحلة السقوط المدوي عالميا.
ــ أن الرهان على التحالف مع هذا الكيان رهان خاسر على الصعيد الأخلاقي والعسكري والأمني، نظرا للوهن البنيوي في تركيبة هذا الكيان والذي انكشف استخباراتيا وعسكريا صبيحة السابع من أكتوبر.
ــ أن التطبيع مع الكيان مهما توسع رسميا فإنه أبدا لن ينجح شعبيا، والتجارب من مصر إلى الأردن تقول هذا بلغة لا يوجد ما هو أفصح منها تعبيرا.
وفي الأول والأخير ، فإن اليهود المغاربة الأصلاء يعرفون جيدا تقاليد مغربهم ويعرف المغرب بلا معلم كيف يدافع عن أبنائه الذين يستحقون دفاعه عنهم. ولابد أن التاريخ سيكتب في سجلاته حقيقة من بقوا أوفياء لتمغرابيت ومن غسلت أدمغتهم وتصهينوا وتورطوا في جرائم بشعة ضد الإنسانية. كما لن ينسى التاريخ إنسانية أب الأمة محمد الخامس، تجاه رعاياه اليهود في موقفه التاريخي المشهود من أجل سلامتهم.
