2323 ميلادية..زيارة إلى إمبراطورية غزة العظمى

 أحمد الجَــلالي

نحن على مشارف نهاية 2023، عفوا نحن في سنة 2323. مرت ثلاثة قرون من الزمن، ولا أحد منا هنا. والأقوى بيننا في هذا العالم لم يبق منه في قبره حتى آخر جزء من  “العصعص”. مرحبا بنا في المستقبل.

تغيرت الخرائط كلها وأصبح العالم مشكلا من تكتلات ضخمة وتسميات لا توجد في قواميس زمننا هذا:

أمريكا اندثرت بعد حرب أهلية طاحنة لم يسلم منها بشر ولا حجر وبعد عقود من تلك الحرب أصيب ما تبقى من السكان بأمران خطيرة منها العقم، وسلم منه فقط السكان الاصليون الذين كانوا يسمون قبل خمسة قرون “الهنود الحمر” وهم الأغلبية الكاسحة اليوم.

لم تعد هناك حدود أصلا بين كندا والولايات المتحدة: اندمج ما تبقى من قبائل بين الأمريكتين في دولة واحدة سميت بعد نقاشات طويلة “بوليفاريانا”.

نشبت حروب رهيبة بين الهند والصين فأفنوا بعضهم إلا قليلا، وعندما تعبوا تصالحوا وشكلوا تحالفا بعد مصالحة قادها مسلمو الصين وانضمت باكستان وأفغانستان واتفقوا على كيان بدستور موحد سموه ” مورانيستان”.

أما الخليج الحالي فلم يعد عربيا ولا فارسيا عقب انضمامه لشمال أفريقيا وفتح طريق بري من نجد إلى تومبوكتو. أما شمال أفريقيا فقد توحدت شعوبها التي سلم نصفها من المجاعات و أسسوا فدرالية “أرامزغا” ضمت العرب والامازيغ واختاراوا فدرالية تنتقل فيها العاصمة دوريا بين مراكش وتيزي وزو و درنة والقيروان ونواديبو.

انتهى زمن النفط بعد اكتشاف بدائل له وصار هم سكان الشرق الأوسط كيفية التخلص من مخلفاته الفتاكة على صعيد البيئة والتكوين العقلي والنفسي لسكان هذه الأراضي الشاسعة.

أما أوروبا الحالية فقد انقسمت على نفسها وتطاحنت حتى كادت تفنى شعوبها بسبب حروب بينية وموجات برد غير مسبوقة. وبعد عشرات السنين من الضياع انهدم جسر المانش وتوجه ما تبقى من سكان القارة العجوز إلى الموطن الأصلي للفايكينغ وهناك أسسوا محميات ينشغل العالم في 2323 بأفضل الطرق لحماية سكانها من الانقراض الكلي.

أما روسيا بوتين فحدثت بها مشاكل أمن نووي وغذاء انضافت إلى كوارث بيئية عصفت بالاتحاد الروسي وبقي ربعه فقط فضل الاستقرار في سيبيريا، فيما تكفلت أفغانستان ببعث وفود طبية وخبراء إلى هناك للمساعدة.

وفي اجتماع مشترك لشمال افريقيا بدول الخليج في نسخته الجديدة زائد باقي أفريقيا قرر الجميع أن تصبح القدس العاصمة الروحية للعالم الجديد وأن تكون مكة العاصمة السياسية ومركز القرار العلمي والثقافي.

أما يهود العالم فبعد أن انتصروا على صهاينتهم وعادوا للعيش بسلام حيثما وجدوا فقد أعادوا قراءة تاريخهم خلال القرون المنصرمة وأسسوا جمعية سموه ” الإنسانية أولا” ووضعوا ميثاقا حديثا نص بالخصوص على تجريم معاداة الإسلام وباقي الديانات وهددوا كل من تجاوزه بتهمة “هولوكوست غزة”.

وبدل مجلس الأمن الحالي قرر ما تبقى من البشر على الأرض تأسيس “المجلس الأممي للمحبة والعلوم”، واختاروا له غزة مقرا دائما.

لم يعد العالم يفكر في الحرب ولا في صناعة وسائل التدمير وتغيرت مناهج الدراسة وصار الانسان كائنا نادرا تقريبا تحرص فصيلته على الانجاب والابتكار ومحاربة الحقد والامراض.

صارت غالبية سكان الأرض تحمل جواز سفر موحدا كتبت عليه عبارة “احنا ولاد العالم”.

اختفت المذاهب عند المسلمين والمسيحيين واليهود وحتى الأيديولوجيات صارت خرافات و “قلة حياء” ينصح بعدم إثارتها أمام الأطفال خصوصا لكي لا تفسد أخلاقهم.

أما مهن مثل الأمن والمخابرات فصارت تصنف ضمن العمل التطوعي نظرا لانعدام الاخطار تقريبا واقترح مجلس المحبة بالقدس في دورته الأخيرة للعام 2322 صياغة جديدة لمفهوم الأمن ركزت على ضرورة الأمن العلمي والصحي والبيئي والغذائي والفكري والثقافي مع عناية خاصة بقضية الذوق العام سنة 2323، التي تتزامن مع الذكى المائوية للنظام العالمي الانساني الجديد.

وبما أن غزة صارت مركز العالم في القلب من فلسطين فكان طبيعيا أن تحظى ببعض الميزات عما سواها من حواضر الدنيا. ولذلك فهي تضم أكبر جامعة ومركز بحث علمي و أكبر متحف للإنسانية ومسرحا عالميا ومساجد وكنائس وبيعا ما خطرت على بال القرون الخوالي.

وفي حفل العام 2321 بمناسبة تخرج إحدى دفعات كلية الطب والفنون تم توشيح المتفوقين في متحف فلسطين وقبل تسليم شهادات التخرج تم عرض وثائقي اعتمد على ما تبقى من تسجيلات تعود إلى أكتوبر 2023.

اندهش طلاب العالم حين شاهدوا شبانا يلتصقون بميركافات ثم يفجرونها تفجيرا. واستغرب المتخرجون من كون مشاهد الدمار بغزة والدماء والقتل تسبب بها بشر مثلهم تماما كانت لهم عيون وارجل وأياد..

شاهد الطلاب تصريحات لكائنات بدت غريبة عليهم وعلى عقولهم ومنها نتنياهو وبلينكن وبايدن فتهامسوا في ما بينهم إن كانت اللقطات صحيحة فعلا.

انتهى الشريط بلقطة لأبي عبيدة يخاطب فيها أحرار العالم، بعدها غير رئيس الجامعة رأيه وسمى الفوج الخريجين دفعة “أبي عبيدة/أحرار العالم”.

هذا هو عالمنا، عفوا عالمهم في سنة 2323 اي بعد 300 سنة من يومنا هذا. فلينظر كل منا ماذا سيخلف وراءه وليفكر إن كان يهمه أن يذكر بخير في سجل الإنسانية أم يكون من ملعونيها إلى يوم نبعث وعند الخالق تجتمع الخصوم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد