سوريا الشرع: حتى لا تقع في فخ صندوق النقد الدولي

 مصطفى عبد السلام

وقعت دول عربية وأجنبية عدة في فخاخ صندوق النقد الدولي السامة والخبيثة، فهل ستكون سوريا الشرع أحدث الواقعين في هذا الفخ الشائك والبئر العميقة والمعقدة والتي رشحت كوارث معيشية وأزمات وصدمات اقتصادية ومالية حادة، وانهيارات في العملات الوطنية للدول الدائنة، وقفزات غير مسبوقة في الأسعار، بل وتهديد الأمن الاقتصادي والقومي للدول المدينة؟

السؤال طُرح وبقوة عقب كشف المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا هذا الأسبوع، عن بدء التواصل بين الصندوق ومسؤولين سوريين، “لتفهم حاجة المؤسسات الرئيسية في البلاد مثل مصرف سوريا المركزي” على حد قولها، بل وتأكيدها استعداد الصندوق لدعم سورية، وضرورة دعم قدرات مؤسسات رئيسية مثل البنك المركزي لتمكينه من العمل بكفاءة بما يفيد الاقتصاد والشعب.

تطور لافت وسريع، إذ إنه يعد الأول من نوعه بين انقطاع بين الصندوق والدولة السورية دام 16 عاماً، كما يأتي في ظل بحث حكومة سورية الجديدة عن نموذج اقتصادي جديد يختلف كلية عن نموذج نظام بشار المنهار، نظام قائم على الشفافية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد، والبحث كذلك عن موارد مالية ضخمة تساعدها في تنفيذ مشروع إعادة إعمار ما هدمته الحرب الأهلية، حيث تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن أن تكاليف المشروع قد تصل إلى 300 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي للبلاد حتى قبل اندلاع الحرب، كما يفوق كثيراً قدرات خزائن الدولة السورية الخاوية، والاحتياطيات الضعيفة للنقد الأجنبي لدى البنك المركزي في ظل السرقات التي مارستها عائلة الأسد ورموز نظامه طوال سنوات طويلة.

من المبكر الحديث عن حصول سورية على قروض ضخمة من المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين في المستقبل القريب

من المبكر الحديث عن حصول سورية على قروض ضخمة من المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين في المستقبل القريب، أو الحصول على أموال وقروض من المستثمرين الدوليين عبر طرح سندات في أسواق المال الدولية، لكن الاحتمال قائم على المديين المتوسط والبعيد، خاصة إذا ما تم رفع العقوبات الغربية عن سورية، وأعاد مصرف سورية المركزي بناء احتياطي النقد الأجنبي، وتمكنت الحكومة الجديدة من إعادة جزء من الأموال التي نهبها نظام الأسد ورموز نظامه وحولوها في سنوات سابقة إلى بنوك وعقارات روسيا وسويسرا وبريطانيا وغيرها.

يسرع من تلك الخطوة أيضاً احتمالية ضخ دول الخليج مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد السوري سواء عبر منح ودائع ميسرة وقروض مساندة للبنك المركزي، أو قروض مباشرة للحكومة لتمويل شراء احتياجات الاقتصاد والدولة من أغذية ووقود وسلع ضرورية، أو حتى ضخ استثمارات مباشرة لتأسيس مشروعات، وهذا أمر وارد في ظل تحمس تلك الدول وفي مقدمتها قطر والسعودية لإعادة بناء الدولة السورية واقتصادها وقطاعها المالي.

وإلى حين الوصول إلى تلك المرحلة فإن على سوريا الشرع العمل بكل السبل لتفادي الوقوع في فخاخ صندوق النقد الدولي الملغمة وغيره من الدائنين سواء دول أو مؤسسات مالية، وتفادي الأخطاء التي وقعت فيها الدول التي فضلت الاقتراض الخارجي على الإنتاج والتصدير وتنمية مواردها الدولارية.

هنا يكون السوريون قد خرجوا من بئر بشار العفنة ونظامه السارق ليجدوا أنفسهم أمام كارثة أعمق وهي الوقوع تحت ضغوط وإملاءات وشروط صندوق النقد السامة

لأن الوقوع في تلك الفخاخ يعني مزيدا من الانهيار للاقتصاد السوري، والقضاء تماما على ما تبقى من طبقة وسطى، والقذف بملايين السوريين في أتون الفقر والبطالة والذل والمهانة المعيشية والعشوائيات والفساد والاحتكار، ومعها ربط القرار الوطني ومخصصات الدولة بتعليمات الدائنين الدوليين المجحفة، والجري وراء مفاوضات واتفاقات قروض لا تنتهي، والحصول على شرائح قروض جديدة لسداد قروض مستحقة، وتوجيه موارد الدولة ومنها حصيلة الضرائب لسداد أعباء الديون.

وهنا تكون سوريا الشرع قد خرجت من بئر بشار العفنة ونظامه السارق ليجد السوريون  أنفسهم أمام كارثة أعمق وهي الوقوع تحت ضغوط وإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي السامة والخبيثة، وما يصاحبها من موجات غلاء وتضخم وانهيارات في قيمة الليرة ومؤشرات الاقتصاد وتفاقم الدين العام. وهنا تكون سورية قد ودعت استبدادا سياسيا ونظاما قاتلا لتقع في استبداد اقتصادي ومالي وقرصنة دولية يقودها صندوق النقد الداعم الأول للاستبداد في العالم، ومن خلفه كبار المساهمين به مثل الولايات المتحدة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد