بعد حياة حافلة بالدبلوماسية والسياسة والثقافة، توفي مساء أمس الجمعة، في العاصمة المغربية الرباط، وزير الخارجية المغربي السابق محمد بنعيسى ، بعد معاناة مع المرض.
وكانت الحالة الصحية للدبلوماسي والوزير المغربي قد تدهورت بشكل مفاجئ في الآونة الأخيرة، قبل أن يُنقل إلى المستشفى العسكري في الرباط، حيث وافته المنية عن عمر ناهز الثامنة والثمانين.
وكان الراحل قد تولى منصب وزير الثقافة ما بين 1985 و 1992، ومنصب وزير الخارجية ما بين 1999 و 2007، ومنصب سفير المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية ما بين 1993 و 1999.
وانتمى الراحل في بداية حياته السياسية إلى حزب “التجمع الوطني للأحرار”، قبل أن يجمد نشاطه السياسي داخله، وعاد إلى السياسة عام 2021 عندما التحق بحزب “الأصالة والمعاصرة” الذي كان يمثله داخل مجلس النواب حتى وفاته.
وارتبط اسم الراحل بمجال الثقافة، من خلال موسم أصيلا الثقافي، الذي انطلق قبل حوالي أربعة عقود ونيف، وظل يرأسه إلى أن أوصله إلى مصاف العالمية.
فعندما تذكر اسم محمد بنعيسى، وفضلا عن السياسة والدبلوماسية لا يمكن إلا أن تستحضر مدينة أصيلا وموسمها الثقافي العالمي حيث أصبحت بفضل إصراره منارة ثقافية تجذب إليها نخب العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
وبعد رحيل هذا المثقف والسياسي والمؤسس لفعل ثقافي مختلف، لابد أن السؤال يطرح مرة أخرى: ما مصير مهرجان أصيلا الثقافي؟
وقد كان المرحوم يعي هذا الأمر وتحدث في السنوات الأخيرة عن أهمية مأسسة المهرجان لضمان الاستمرارية.
وإذا كان بنعيسى قد رحل عن دنيا الناس اليوم فقد خلف وراءه إرثا ثقافيا تعتز به مدينة أصيلا الأصيلة ومعها المغرب كله: بدل أن نذهب إلى الشرق والغرب صار هذا الشرق والغرب يأتي إلينا سنويا لنفكر سويا في الحاضر والمستقبل الإنساني.
وفي آخر حواراته بشأن الموسم الثقافي في دورته الأخيرة، وقبل ذلك بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الأربعين لانطلاق الموسم، كان الراحل يبدي دهشته الجميلة من بقاء الموسم مستمرا دون انقطاع طيلة هذه العقود، ثم يتطلع إلى المستقبل من خلال سؤال: ثم ماذا بعد؟
جوابنا عن هذا السؤال المشروع: لقد صنعت فعلا معجزة ثقافية من لا شيء تقريبا، وهذا المكسب يجب أن يستمر ويتطور أكثر مهما كلف الأمر. فالمغرب في زمن التردي القيمي العالمي يحتاج إلى الثقافة مثلما يحتاج إلى الطاقة والدواء والغذاء.
رحم الله محمد بنعيسى ورحم كل من يملك الصدق والغيرة على هذا الوطن الغالي.
