الشوارع/المحرر
يتميز الشعب المغربي بمختلف شرائحه بدقة الملاحظة والتقاط التفاصيل. ولا شك أن هذه “الهبة الربانية” تنشط أكثر حينما يتعلق الأمر بأشخاص مهمين أو أحداث ولحظات قوية.
ولا يفوت المغاربة طبعا أي شيء يهم خرجات الملك وحركاته وسكناته ورنة صوته ونوع لباسه، بل يدققون بفضول حتى في الساعات التي يرتديها محمد السادس والهواتف التي يحملها.
هذه الكاميرات البيولوجية القوية بلا أدنى شك تطلعت اليوم بإمعان لصورة تم توزيعها تهم الاستقبال الملكي لرئيس الحكومة بالقصر الملكي بالرباط.
هناك كلام كثير قيل وسيقال عن لقاء الملك الذي استفسر فيه العثماني عن المقترحات ذات الصلة باقتراح الكفاءات لمناصب الحكومة وللكادر الإداري الوطني. ولكن أصدق وأقوى كلام هو ما نبست به الصورة، التي تغني هنا عن عشرات المقالات والتحليلات.
ماذا تقول الصورة؟
تأملوا جيدا حركة اليد اليمنى للملك، وركزوا على قسمات وجهه…ماذا لاحظتم؟ إن للجسم البشري لغة حتى وإن لم نطلع على حديث الملك مع رئيس حكومته.
الملك غير راض، حتى لا نقول شيئا آخر.
انظروا أيضا ــ ليكتمل المشهد ــ إلى هيئة جسم العثماني: يدان مبسوطتان بتوتر على ركبتيه، وظهر غير مسنود إلى الكرسي، مع معاناة العمود الفقري، ورأس كأنها شدت ميكانيكيا في اتجاه الملك..إنها وضعية التلميذ أو الموظف الذي يتلقى تأنيبا أو توبيخا أو تقريعا.
لسنا نجزم أن هذا ما حصل بالضبط، ولكن سيميولوجيا الصورة لن تقول غير هذا، يقينا.
والحقيقة أن الوضع الطبيعي هو أن يغضب الملك من وعلى هذه النخبة السياسية والبيروقراطية التي صارت عبئا على حاضرنا وتهديدا لمستقبل ناشئتنا.
في التاريخ الحكومي للمغاربة مرت شخصيات لها وعليها أشياء، ومنها من وصف بالضعف، لكن لم نلحظ أبدا ــ حتى مع عباس الفاسي ـــ هذا المستوى من الهزال والتردد وقلة الحيلة التي “متع الله بها” عبده سعد الدين.
وفي تاريخ التشكيلات الحكومية للمملكة عايش المغاربة فرقا حكومية بلا شكل أو مرة المذاق، لكن لم يسبق أن تميزت حكومة مغربية باللاطعم مثلما هي عليه الآن: أخنوش على ساجد على عثماني على بنعتيق على توابل أخرى لا “رأس حانوت لها”..لن تصلح سوى لتوريث الغمة النفسية والمغص المعوي.
لسنا متفائلين بأن بمقدور رئيس الحكومة أن يقترح كفاءات، وحتى إن اسند الأمر لغيره من رؤساء الأحزاب فلن يخرجوا عن الفلك “العلائقي” الحزبي..وبالتالي ما حرثه جمل الشعب ستدكه حوافر نوق المحسوبية.
هناك أجوبة لكل الأسئلة المغربية الحارقة، ولن تفيد هذه الإجابات في شيء إن لم تهدأ عواصف ورياح الفساد المزمجر..
نعم لكل سين/سؤال جيم/جواب..فمن يسمع من عشاق الوطن كي لا يضيع الجواب مع زمجرة الريح/ع.
غنى الرائع “بوب دايلان” قبل نصف قرن: The answer, my friend, is blowing in the wind.
نريد نخبا بقلوب وحس وطني غير مشوش، أرجلها على الأرض المغربية وليست بقدم هنا وأخرى في الخارج “تحسبا”، نريد ساسة مغاربة أقحاحا عقولهم معهم ومع الوطن وليست “طائرة مع الريح”.
www.achawari.com