أحمد الجــَلالي
وكأن المخازي الموثقة التي يزخر بها الانترنت عن المغرب من مآسي هجرة سرية و مظاهر فقر ودعارة وهشاشة وغياب السعادة و البشاشة ليست كافية لتريغ كامل لصورة بلاد فجاء من يكمل باهية “البواهي” بسلخ ما كاد أن يكون رسولا نهارا جهارا بعاصمة المملكة.
وكأن تدني مستوى مدرستنا العمومية عالميا وإقليميا لم يشف غليل بعضهم فأضافوا لطنجرة المدرسة المغربية توابل من عنديتهم قمعا وسحلا وسلخا وكأنهم يشفون غليلهم من هؤلاء الحمقى الذين يريدون الاستقرار الوظيفي لكي يتحسن أداؤهم ويرتقون بجودة العرض التربوي.
وكأن زراويط وهراوات قوى الأمن لم تف بالغرض “فقيض” القدر بالصورة وبعض الصوت من يركل مواطنا ويجمعه بنص معتبر ليسقطه أرضا سقطة قد تؤدي إلى كسر عموده الفقري والحكم عليه بالموت أو الشلل مدى الحياة.
ولأول مرة يكاد الشعب المغربي الفسيبوكي يتوحد من خلال طرح سؤال واضح صادح: من هذا؟
ولأن صورة الاعتداء جاءت لتتوج كل ما حصل من عنف مفرط غير مبرر فقد تداعى لها القاصي والداني بعد أن طافت العالم كله.
وبعد صمت طويل تكلمت الجهات الرسمية في شخص ولاية الرباط ــ سلا ــ القنيطرة عبر بلاغ مقتضب نقبه عنها وزير حقوق الإنسان المصطفى الرميد ــ من باب هوما لي قالوا أنا ما قلت والو ــ جاء فيه:
“تداولت مجموعة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو تظهر استعمال شخص بلباس مدني للعنف أثناء تفريق تجمهر للأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
وبهذا الخصوص، فقد تم فتح تحقيق لتحديد هوية الشخص الظاهر بهذه الصور والمقاطع، والكشف عن ظروف وملابسات الوقائع المشار إليها، مع تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة.”
وبمزيد من الحذر أضاف الرميد تدوينة أخرى جاء فيها: ” السلام عليكم
بشكل غير مفهوم ولا مبرر ولا مقبول ولا معقول، ظهر شخص بلباس مدني يمارس العنف غير المشروع ضد مواطنين في الشارع العمومي.
اعتقد ان ممارسة هذا الشخص كما يتم تداولها اذا صحت، تجعله واقعا في دائرة المساءلة القانونية التي ينبغي ان تكون سنة ثابتة في اي بلد يحترم التزاماته ، ويصون كرامة مواطنيه.
ولا اشك لحظة في ان هذه المساءلة لن تتاخر باذن الله”
وقد توقف المتتبعون الساخطون عما وقع عند تعبير “إذا صحت” الصادر عن وزير حقوق الإنسان المغربية “إن صحت” هي الأخرى ليستغرقهم اليأس من أن نرى مسؤولينا يوما وقد شفوا شفاء لا يغادر لغة خشب.
ولقد تساءل الناس عمن يكون الشخص المعتدي أهو عون سلطة أو رجل أمن بزي مدني أم مجرد حاقد على رجال التعليم أم محض بلطجي ناقم أم تراه كائنا نزل من كوكب آخر لينكل ببني البشر أم فضائي بجسم غازي لم تتح لرجال الأمن رؤيته وهو “يحش” رجل مغربي فيوقعه وقعة موجعة على الأرض؟
ولأننا في “الشوارع” مولعون ليس فقط بنقل الخبر بل بالتعليق عليه وبتحليله تحليلا مبسطا لا يتوارى خلف زخرف القول وغابة الكلام الصعب فقد بدلنا مجهودا “خرافيا” لمساعدة رجال الأمن في تحديد هوية الفاعل فكان التوفيق حليفنا.
إنه يا سادة يا كرام إسمه الكامل “مراد راكل دار”. فإذا كان لتركيا أردوغان أيقونة الشاشة باسم “مراد علمدار” فلنا للأسف بالمغرب الأقصى مرادنا الراكل دار الإنسانية.
ولكن المصيبة ليست في الفعل المشين الموثق فقط بل في جنوح غريب لتعميمها ظاهرة للتعاطي مع الاحتجاج السلمي. إن المغرب أجمل حين يحتج ويتنفس. إن المغرب أروع حين يخرج الناس للشارع بكل تحضر ويوصلون رسالتهم بهدوء ثم يعودون لبيوتهم فيما العالم ينشغل برقيهم. إن المغرب أبهى حين يكون حيا متحركا بوعي ووطنية بلا عنف ولا تطرف ولا تكسير ولا تلطيخ.
إن المغرب يكون أبشع عندما تضرط عقول كل “راكلي الدار” فيقومون بمنكر الفعل ويتيحون للعدو أن يشمت بنا ويستعمل عاهاتنا ضدنا. إن المغرب يكون أبشع بسبب كل الفسدة المفسدين وآكلي حقوق الناس ولحومهم. إن المغرب يتوقف عن كل فحولة ويصبح عنينا عندما يسلط المخصيون ذهنيا وإبداعيا على مواقع المسؤولية، وبدل أن ينتجوا الحلول يراكمون الإخفاقات ويخنقون مغربا يعاني الاختناق الاجتماعي والاقتصادي ليس لقلة أو شح في موارده بل بسوء تقدير وتدبير كثير من مسؤوليه.
المطلوب ليس فقط توقيف الراكل دار بل التوقف عن ركل قلوبنا وعقولنا ومواطن الأمل في نفوس شبابنا بقراراتكم الخرقاء الرعناء.
لا نطالب بغل يد قوات أمننا وجعلها مشلولة بل نحرض على إطلاقها وإطلاق سلاحها في وجه المجرمين والإرهابيين والسفلة والمافيوزيين. وإن كانت حكومتنا فقدت كل القدرة على حل مشاكل المغرب فلتستقل ولا تلق بفشلها المكعب على البوليس كي يجد الجواب.إنكم تنهكون الآلة الأمنية الوطنية في معارك ليست هي معاركها، تحملوا فشلكم وحدكم.
مهمة البوليس حمايتنا ومهمتكم أنتم الوزراء والمدراء وسامي المسؤولين..مهمتكم أن تخدموا شعبنا بإجلال واحترام وأن ترتعدوا خوفا من التقصير أو الفشل.
أما وقد أدمنتم الفشل واستطبتم الكراسي ونعيم الريع والتعويضات السمينة ودوس الدستور وفك الارتباط والاشتباك ما بين المسؤولية والمحاسبة فتلك والله مقدمة انفجار أنتم من تضغطون على طنجرته وعليكم سيكون وزره..ولأن قلوبنا على بلدنا فلا نسألكم غير الرحيل.
لم يثبت ولن يثبت أن المغربيات أصبن بالعقم فعجزن عن أن يلدن من هم وهن أحق بالمسؤولية بكل روح إبداع وإقدام. خلوا بيننا وبين الغد الممكن..فلا تصنعوا الظلام.كفى.
غلت يد كل ذي مفسدة وشلت رجل كل “راكل دار”.